لسان
أزير
-
جذور الكلمة:
نجد
اليوم نطقين للكلمة:
أزير،
آزار.
الأول
منهما شائع معروف، والثاني نقله لنا ابن
حبت وابن الأمين الشنقيطي رواية عن ابن
رازكه العلوي.
ونجد
في منطقة حوض نهر النيجر الأوسط ذات
التعامل التجاري الكثيف مع ودان كلمة
زرما:
التي
تتألف أصلا من إيجي أو إيزي حسب اختلاف
النطق بين لهجتي تنبكتو وغاوه، وهي بمعنى
أولاد، وارْمَ القوم المعروفون، فيكون
معنى الكلمة:
أولاد
ارْمَ.
ومن
المعروف أن ارم هو أحد سبعة رجال أبوهم
اكريل بن علي بن جكان، يقول أحمد الحاج
الرقادي المتوفى في مطلع 1100هجرية:"
فأما
جكان فترك علي وعلي ترك مسان بن علي واكريل
بن علي ورمظان بن علي...
فأما
اكريل فولد سبعة:
اعمر
بن اكريل وهو أكلال، وبوسيف وهو أيشف،
وإبراهيم، ويعقوب، والأرم بن اكريل ومن
نسبه سيدي اعمر بن اغفر الذي ينسب إليه
المرابطون أولاد سيد اعمر بن اغفر...".
وقد
درج الباحثون والمؤرخون على تجاهل هذا
النسب لدى ذكر ارم إذ غالبا ما يتجه الذهن
لدى ذكر ارم إلى رماة جيش المنصور الذهبي
السعدي الذي قطن غالب أفراده في تنبكتو
وغاوة وجنّى بعد الحملة المغربية المعروفة
في نهاية القرن السادس عشر الميلادي.
ومن
المعروف أن منطقة تنبكتو حيث قطن رماة
جيش المنصور الذهبي هي من مجالات تجكانت
كما أن مدينة ودان حيث كان سائدا لسان
أزير هي على مرمى حجر من مدينة تنيكي مهد
تجكانت أيضا.
ونجد
لدى السعدي صاحب تاريخ بلاد السودان ذكر
قبيلة آجر التي يشير إلى أنها من شنقيط
ومنها ينحدر كُيْ محمد نض حاكم تنبكتو
بتفويض من آكل أكملول سلطان التوارق الذين
كانوا يحكمون تنبكتو في منتصف القرن
الخامس عشر الميلادي.
ويذكر
بعض الباحثين أن لسان أزير قد يعود في
جذوره إلى حملة تركية أو جالية تركية
عثمانية استوطنت البلاد أو المدينة في
فترة ما.
وتوجد
في ولاية طاوه بالنيجر منطقة تحمل اسم
آزر.
وتعني
آزر أو آجّر بالتارقية اليوم الوعل"
تيس
الجبل".
كما
تعني العِرْق.
هذا،
ويوجد في محيط ودان موضع
معروف يحمل اسم زيري.
-
لسان أزير: سونغاني؟
بغض
النظر عما يذكر من أن لسان أزير كان يتحدث
به إلى عهد قريب في منطقة الحوض الشرقي
وكان متداولا في الفترة المذكورة بين
كبار السن، فإن وادان تُعد آخر موطن معروف
للسان أزير1بعد
اندثار قصور ترقبيات وتفرله وتامكونه.
وهي
القرى التي تعود في مجملها إلى قبيلتي
مسوفة وكدالة الصنهاجيتين.
وكانت
هاتان القبيلتان ألصق بالمدن وبالتحضر
من بين قبائل صنهاجة اللثام، وإن كانت
قبيلة لمتونة الصنهاجية هي المستحوذة
سياسيا في هذا القسم الغربي من الصحراء
الكبرى.
وقد
شهدت مناطق احتكاك مسوفة وكدالة بالأفارقة
ميلاد لغات ولهجات هجينة كاللهجات
السونغانية الشمالية مثل:
تسوغيت(
في
إنكال بشمالي النيجر)
وتكدالت
بنفس المنطقة، تدوسحاقت(
قرب
مينكّه في شمالي شرقي مالي)،
كورانجى(
تبلبالت
في جنوبي غربي الجزائر).
وهي
اللهجات التي تعود في جذورها هي الأخرى
إلى لهجتي قبيلتي كدالة ومسوفة الصنهاجيتين،
كما تحيل إلى التعاطي التجاري المكثف بين
القسم الغربي من الصحراء الكبرى وبين
بلاد السودان، وخاصة في ظل حكم السونغاي
للحوض الأوسط من نهر النيجر طيلة القرن
العاشر الهجري/السادس
عشر الميلادي.
وكما
تزاوجت لغة صنهاجة"
ذوي
الضفائر"
كما
يصفهم عبد الرحمن السعدي في كتابه تاريخ
بلاد السودان-
في
إقليم ماسنة(
مالي،
ولا ننسى العلاقة الوطيدة من حيث التأسيس
والساكنة بين وادان وبين تيشيت مهد ماسنة
الذين يحمل الإقليم المذكور اسمهم)
مع
ألسنة السودان الغربي وخاصة مع لسان حوض
نهر النيجر الأوسط(
جنّى،
تنبكتو، غاوة)
تزاوج
كذلك أحد هذه الألسنة الأخيرة أو مجموعها
مع لهجتي مسوفة وكدالة وبدرجة أقل لمتونة
في مدينة وادان وانضافت إليه لاحقا مؤثرات
عربية جلية؛ مكونا بذلك لسان أزير؛ مما
يحمل على الاعتقاد بأنه لسان تجاري بالدرجة
الأولى-
مثله
في ذلك مثل لغة الهوصا-
خاصة
أن قبيلتي كدالة ومسوفة كانتا أكثر تعاطيا
لتجارة القوافل مع بلاد السودان، كما أن
القصور الصحراوية التي ما يزال سكانها
يتكلمون باللهجات السونغانية هي إما
صنهاجية(
كدالية
ومسوفية)
أو
واقعة بين بلاد زناتة وصنهاجة.
وكان
ابن بطوطة قد أكد بأن أكثر سكان إيوالاتن
وتنبكتو هم مسوفة أهل اللثام كما أن
الأدلاء بين تغازة وإيوالاتن وتنبكتو
ومالي هم من مسوفة وكذا أكثر التجار.
ولئن
كان لسانا تجاريا في أوج التعاطي التجاري
بين ضفتي القسم الغربي من الصحراء الكبرى
الشمالية والجنوبية فإنه أيضا يعكس تمدّن
وتحضّر الناطقين به من حيث إن
المسميات التي تطلق على العمارة وعلى
أجزاء البيوت خاصة هي مسميات أزيرية
خالصة.
ونجد
عند الشيخ محمد المامي المتوفى سنة
1292/1875
كلمة
من لسان أزير في بيت من الشعر الحساني حيث
يقول:
لرض
امن المعادن حطر
لـــــــــكانت
رات إدوارن
ينتف
زغبته مـــــــا
يبر من طول اجرب فيهَ حارن
وهي
نفس الكلمة التي نجدها لدى ابن رازكه
المتوفى سنة
1143هـ:
لقد
شمخت أنفا علينا خديـــــــــــــجة
وقالت بآزار لــــــها
إدوارن
ونحن
الأنوف الشامخات على الورى
تقاصر
عنا كل أنف ومارن
والسياق
وإن كان مختلفا فإن مدلول الكلمة عند
الشيخ محمد المامي يدل على ثقافة بدوية
ظلت أيضا مهيمنة على نمط حياة الناطقين
بلسان أزير من حيث تعهدهم للإبل بالرعي
وما إليه لأنها كانت محمل أثقالهم إلى
بلد لم يكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس.
ولكن
هل يمكن اعتبار لسان أزير لهجة من اللهجات
السونغانية الشمالية مثله في ذلك مثل
تسوغيت وتكدالت وتدوسحاقت وكورنجى؟
هذا،
وقد ذهب بيير آميلهات في غير مذهب حين
اعتقد أن جذور أزير بودان ترجع لمجموعات
سونينكية فقط كانت قد نزحت إلى الحاضرة
على إثر سقوط مملكة مالي2.
وهو
رأي جاراه فيه بعض الباحثين المعاصرين
دون تثبت3.
فيما
فنّده بشكل غير مباشر بيير بونت دون أن
يجزم بنسبة لسان أزير إلى أسرة لسانية
بذاتها مكتفيا بالقول إن بداية وصول
المؤثرات الأزيرية إلى وادان كان مع نمو
الروابط الثقافية والروحية بين هذه
الحاضرة مع كل من تنبكتو وتيشيت خلال
القرنيين 7ﻫ/13م-8ﻫ/14م
بالتوازي مع ازدهار تجارة القوافل بينهما4.
وهذا
فعلا ما قد يُستشف من إشارة وردت لدى ابن
اطوير
الجنة تتعلق بفترة التبادل بين هذه الحواضر
ذكر فيها أن العمارة كانت فيها متصلة ما
بين وادان وتنبكتو لدرجة أن المسافر
بينهما لا يبيت ولا يقيل إلا في عمارة من
كثرة ما وصفه بالعمارة والأخصاص بينهما5.
ويفرق
ولد حبت6
بما لا يدع مجالا للشك بين أزير واسوانك
حيث يقول إن"أبا
بكر بن عمر لما نزل ترقبيات بناحية ودان
وأهلها يومئذ أزير وسوانك فتحها عنوة".
وكان
ابن حبت7(المتوفى
سنة 1301ﻫ/1884م)
قد
أكد أن "...
كلام
النبط8
بقي على حاله ينسب إلى أزير، في كلامه
الآن وبقي كلام البربر ينسب إلى كلام
آزناكَه وكلام العرب ينسب إلى حسان".
كما
أن الأستاذ محمد ولد مولود ولد داداه9
يربط بين قبيلتي تفرله وتامكونه المسوفيتين
الوادانيتين وبين لسان أزير.
ويرى
الباحث بيير بونت10أن
الحضور البارز للسان أزير بودان يمكن
فهمه بالانطلاق من الروابط التجارية
المتميزة التي تربطها بتيشيت من خلال
لجوء جزء من قبيلة إدوالحاج الودانية إلى
تيشيت.
ويُؤكد
ابن الأمين الشنقيطي11
ما ذهب إليه ابن حبت حيث يقول "
إن
لغات تلك الأرض قبل دخول العرب قسمين:أزير
وكلام ازناكَه؛ أما القسم الأول فلم يبق
له أثر إلا في ودان...".
ويبدو
أن لسان أزير كان يتبوأ في وادان مكانة
سامقة، كما يفهم من بيتي ابن رازكه
المتقدمين.
وإذا
كانت الحال كذلك، فلماذا اختفى؟
وإذا
ما كان فعلا ينتمي لأسرة اللهجات السونغانية
الشمالية فلماذا يختفي في حين لم تختف
اللهجات الأخرى:
تسوغيت
وتكدالت وتدوسحاقت وكورانجى؟
هل
يعود ذلك لارتباط تلك اللهجات بقومية
معينة مثل ايسوغن وإكدالن وإدوسحاق؟
أم
لانقطاع ودان عن امتداداتها التجارية
إلى حوض نهر النيجر الأوسط ثم عن محيطها
الطبيعي بالمفهوم الواسع إثر الحدود التي
رسمها المستعمر؟
أم
لكل هذه العوامل مجتمعة ولغيرها مما لم
يتح لنا الاطلاع عليه؟
وما
تخفي ودان أعظم!
*باحث في تاريخ وآداب الصحراء الكبرى والسودان الغربي
الهوامش :
1 MONTEIL (Ch.), « La langue Azer », op.cit.p.220.
الهوامش :
1 MONTEIL (Ch.), « La langue Azer », op.cit.p.220.
2
AMILHAT (P.), «Petite chronique des Id ou Aich :
héritiers guerriers des Almoravides Sahariens », op.cit.p.44.
3
OULD CHEIKH (A.W.), Deux villes anciennes, op.cit.p.56 et 71
4
BONTE (P.), L’Emirat de l’Adrar, op.cit.p.161.
8
يقصد
بالأنباط
إسم
كان
يطلق
على
أصحاب
الرأي
والمشورة
من
قبيلة
صنهاجة،
وقد
ورد
ذكر
هذا
الإسم
لدى
ابن
اطوير
الجنة
للدلالة
على
إدوعيش،
راجع:
ابن
اطوير
الجنة
(الطالب
أحمد)،
تاريخ
ابن
اطوير
الجنة،
تحقيق:
سيد
أحمد
بن
أحمد
سالم،
الرباط،
1995،
ص.79.
9
EL-CHENNAFI (M.), « Sur les traces d’Aoudaghost »,
op.cit.p.104.
تعليقات
إرسال تعليق